من أرشيف الذاكرة القريبة 2
يستمرّ جُحَا.كُمْْ في العودة بين الفينة والأخرى إلى نصّ أو صورة أو رسم من أرشيف الذاكرة القريبة، تكون له أهمية أو دلالة خاصة أو أنه لا يزال ساري المفعول في هذا الواقع العربي المفعول به والمفعول فيه منذ هلاكنا على يد هولاكو إلى سحقنا على يد حكامنا وأسيادهم الكبار.
و'نصوص العار" هو نص نشره محمد الماغوط الشاعر السوري التراجيكوميدي (مؤلف مسرحية كأسك يا وطن) بالضبط قبل 4 سنوات أي في أوج صولان شاورن وجولانه داخل الضفة والقطاع وكان ذلك على مرأى ومسمع نعاج الحكم العربي وجنرالاتهم المُحنّطين.
جُحَا.كُمْْ
نصوص العار
(القدس - 2002/03/28)
-1-
نحن ماسحو الرعاف والسوائل الأنفية بالجدران وجذوع الأشجار المستحمون عراة
أو بثياب الخروج مع الخيول والبهائم في المستنقعات ومياه الشرب.
أحفاد حطين واليرموك والقادسية
وذي قار، وذات الصواري، وذات الرئة.
بزفير الحمّى نشعل لفائفنا
وعلى سعالنا المتقطّع
تحدد ساعة الصفر
في أكثر الجيوش دمارًا ووحشية
فنحن لسنا مرضى عاديين
بل مرضى متفوقون
من يجرؤ على مناقشتنا أو علاجنا وجهًا لوجه؟
أو تفريقنا عندما نجتمع.
أو تجميعنا حين نفترق؟
يكتشف العالم دواء ناجعًا لمرض خطير
فنكتشف له ألف مرض أكثر خطورة، لا علاج له ولا شفاء منه.
ثم مهما كانت حال أمعائنا وحناجرنا وصدورنا ووظائف الكبد فينا أو مجال الرؤية عندنا.
لا أحد مخولاً بالرثاء لنا أو التعاطف معنا.
أسمالنا ضرب من الاحتيال.
وأضلاعنا البارزة
لإحباط الضواري
وإثارة كيد الجوارح وبزاة الطير.
وقروحنا تراجع مؤقت+ وشجاعة أُجهضت في شهرها التاسع.
***
كما لا نريد لآلامنا أن تبرأ، أو تتناقص
ولا لجراحنا العميقة أن تلتئم، ويعود الجلد إلى سابق عهده...
بل وبدون أقنعة واقية من الغازات
أو معاطف واقية من خراطيم المياه
أو كرامة ضد وابل السخرية والإهانات
سنقوم بمظاهرات دورية ضد مبادئ الإسعاف الأولية.
والصليب الأحمر، وأطباء بلا حدود...
***
وها هي سهراتنا تدوم وتدوم
حول اللهب المغذّى بكل ما هو أخضر أو يابس من خيرات الوطن
وأظافرنا تطول وتطول، حتى تكاد أن تبلغ الدول المجاورة
دون أن يعترضها أن يقف في وجهها أحد
إنها وديعة الأمة فينا
متى طلبتها وجدتها
ناشبة في وجهها وعنقها وعينيها!!
-2-
نحن المصطافين في الحدائق العامة، وعلى سطوح منازلهم وقريبًا على أعمدة الهاتف والكهرباء
والمداخن والهوائيات المختلفة "وخاصة أسلاك الاستشعار عن بعد"
صحيح أن هناك البزاة وجوارح الطير
ولكنها أرحم من مناقير الأطباء في هذه الأيام
ومن الأسنان المكشّرة
حول كل قصيدة وثدي، وناي، وبكارة...
***
في الحقيقة ليس هذا هو موضوعنا
فلا الشعر، ولا الجنس، ولا الهواء النقي، أو النسيم العليل
يعنينا بقليل أو كثير
فأمامنا هدف واحد ومحدّد بأقلام الرصاص
على كل بقعة من بقاع الأرض:
على بعضنا، أو أحدنا، أن ينجو بأية وسيلة
من أية مشاجرة، أو عراك
أو لغم أرضي، أو انفجار طائرة
من أي وباء
أو طوفان
أو زلزال
أو بركان
أو ضربة شمس
أو لدغة أفعى
أو عضة كلب
إننا قلقون جدًا...
نحن في مأزق
فالضباب يبقى ونحن نتلاشى
-3-
ولذلك لن أنام بعد الآن
في مكان واحد مرتين متتاليتين
وكالطغاة أو الأنبياء المستهدفين
سأضع شبيهًا لي
في أماكن متعددة، في وقت واحد
لا لتضليل الوشاة والمخبرين، فقد صاروا آخر اهتماماتنا...
ولكن لتضليل القدر...
***
وإنني بهذه المناسبة
أنصح هذا الوطن العجوز الخرف
أن يقوم بنفس الشيء
ولا ينام في "خارطته" ليلتين متواليتين.
محمد الماغوط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق